*
الاحد: 16 آذار 2025
  • 15 آذار 2025
  • 18:49
التقييم العقاري: نحو معايير وطنية موحدة
الكاتب: الدكتور غسان عذاربة

التقييم العقاري هو عنصر أساسي في الاقتصاد الوطني، حيث يؤثر بشكل مباشر على الاستثمارات العقارية، التمويل البنكي، والقرارات القضائية المتعلقة بالملكية والتعويضات. وفي الأردن، لا تزال هناك اختلافات واختلالات في معايير التقييم العقاري بين دائرة الأراضي والمساحة، المحاكم، والبنوك، وهو ما ينعكس سلبًا على السوق العقاري بشكل عام. هذا التباين في المعايير لا يؤثر فقط على مصداقية التقييمات، بل يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية سلبية تمتد لتطال النمو الاقتصادي والاستدامة في القطاع العقاري.

أهمية توحيد المعايير في التقييم العقاري

توحيد المعايير الوطنية للتقييم العقاري بين مختلف الجهات الحكومية والمالية يُعَد ضرورة ملحة لضمان استقرار السوق العقاري وتحقيق العدالة في التعاملات العقارية. إن وجود تقييمات متباينة يؤدي إلى تضارب في قيم العقارات، الأمر الذي ينعكس سلبًا على قرارات المحاكم في قضايا التعويض والاستملاك.....الخ، حيث يتم الاعتماد على التقييم العقاري لتحديد مبالغ التعويض العادل وفقًا لأحكام قانون الاستملاك وقانون أصول المحاكمات المدنية.

علاوة على ذلك، فإن اختلاف التقييمات يُؤثر بشكل مباشر على عمليات البيوعات والرهونات والتمويل العقاري، حيث تعتمد الجهات المالية والمصرفية على التقييمات العقارية لتحديد قيمة الضمانات العقارية في حالات منح القروض أو التمويل. وعند حدوث تباين في التقييمات، قد يؤدي ذلك إما إلى تحميل المقترضين أعباء مالية زائدة بسبب التقييمات المرتفعة، أو إلى تقليل فرص الحصول على التمويل بسبب التقييمات المنخفضة.

من الناحية الاقتصادية، تؤدي التقييمات المتباينة إلى خلق حالة من عدم الثقة في السوق العقاري، مما يعيق التدفقات الاستثمارية ويُضعف من قدرة السوق على جذب رؤوس الأموال. كما أن المبالغة في التقييم تؤدي أحيانًا إلى تحميل الخزينة العامة أعباء مالية إضافية عند تنفيذ مشاريع الاستملاك، أو عند تقدير الضرائب والرسوم المرتبطة بتسجيل العقارات أو انتقال ملكيتها.

إن تبنّي معايير موحدة للتقييم العقاري يعزز من شفافية العمليات العقارية، ويُسهم في تحقيق العدالة بين الأطراف المتعاملة في السوق، كما يضمن دقة تقدير الأصول العقارية في إطار النظام المالي والمصرفي، مما ينعكس إيجابًا على استقرار الاقتصاد الوطني ويقلل من احتمالات نشوء فقاعات عقارية ناجمة عن التقييمات غير الدقيقة. وتُعَد هذه المعايير أحد الركائز الأساسية لتعزيز الثقة في القرارات القضائية والمالية المتعلقة بالعقارات، بما ينسجم مع المبادئ القانونية الناظمة لحماية الحقوق والمراكز القانونية للأطراف المختلفة.

آثار الاختلافات والاختلالات على الاقتصاد والنمو

1- تشويش السوق العقاري

الاختلافات في التقييم العقاري تؤدي إلى تشويش السوق، مما يجعل من الصعب على المستثمرين فهم القيم الحقيقية للأصول العقارية. هذا يؤدي إلى عدم القدرة على اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة. المستثمرون الأجانب على وجه الخصوص، قد يترددون في الاستثمار في السوق الأردني إذا كانوا غير متأكدين من دقة التقييمات العقارية.

2- التأثير على التمويل البنكي

تعد التقييمات العقارية مرجعية أساسية للبنوك في منح التمويل العقاري. ومع تباين التقييمات بين البنوك ودائرة الأراضي والمحاكم، فإن هذا يؤدي إلى مخاطر مالية إضافية، حيث قد تقوم البنوك بمنح قروض على أساس تقييمات غير دقيقة، مما يزيد من مخاطر التعثر المالي والديون المعدومة. إضافة إلى ذلك، فإن الاختلافات في التقييم تؤثر على قدرة البنوك على تحديد نسبة القرض إلى القيمة (LTV) بشكل دقيق، مما يعيق قدرة المقترضين على الحصول على التمويل.

3- تعطيل نمو القطاع العقاري

إذا كانت التقييمات غير متوافقة عبر مختلف القطاعات، فإنها تعطل نمو القطاع العقاري بشكل عام. المستثمرون يفضلون الشفافية في التقييمات لضمان تحقيق عوائد عادلة على استثماراتهم. تباين المعايير يؤدي إلى حالة من عدم اليقين، مما يجعل المستثمرين المحليين والأجانب أكثر تحفظًا في قراراتهم، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الطلب على العقارات وحجم المعاملات العقارية. في المقابل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع المشاريع الاستثمارية الكبرى.

4- إعاقة الاستدامة الاقتصادية

مع نمو الفجوات في التقييم العقاري، تتزايد المخاطر الاقتصادية التي تهدد الاستدامة الاقتصادية للقطاع. فالتباين بين التقييمات قد يؤدي إلى خسائر مالية لكل من المستثمرين والبنوك، مما يضر بالنمو الاقتصادي العام. هذا قد ينعكس سلبًا على إيرادات الدولة من الضرائب، بما في ذلك الضرائب العقارية والرسوم المتعلقة بالمعاملات العقارية.

5- التأثير على العدالة القضائية

يؤثر الاختلاف في المعايير أيضًا على العدالة القضائية في التعامل مع قضايا التقييم العقاري في المحاكم. القرارات القضائية التي تعتمد على تقديرات غير موحدة قد تؤدي إلى اختلالات في التوزيع العادل للأملاك أو التعويضات، وهو ما يضر بمصداقية النظام القضائي وقدرة الأطراف المتنازعة على الوصول إلى حقوقهم بشكل عادل.

التوجهات الاستراتيجية نحو توحيد معايير التقييم

لتجاوز هذه التحديات، يصبح من الضروري اعتماد معايير وطنية موحدة يتم من خلالها تحديد أسس التقييم بشكل شامل لجميع الأطراف المعنية. هذه المعايير يجب أن تستند إلى أفضل الممارسات العالمية مع مراعاة الخصوصية المحلية للأردن. وفي هذا الإطار، فإن الإجراءات التالية يجب أن تكون جزءًا من الاستراتيجية الوطنية:

  1. إيجاد هيئة وطنية للتقييم العقاري تشرف على المعايير وتضمن التزام جميع الأطراف بها.
  2. إنشاء منصة رقمية موحدة تجمع كافة البيانات العقارية بشكل دقيق وشفاف، مما يسهل على المقيمين والمهنيين في القطاع العقاري الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة.
  3. وضع دليل شامل للتقييم العقاري يعتمد على المعايير الدولية للتقييم ويشمل أسس القياس والتقدير في جميع قطاعات التقييم العقاري.
  4. إلزام المؤسسات القانونية والمالية بتطبيق هذه المعايير الموحدة لضمان اتساق التقييمات بين كافة الجهات الحكومية، المالية، والقضائية.

إن تباين المعايير في التقييم العقاري بين دائرة الأراضي، المحاكم، والبنوك لا يضر فقط بالأطراف المعنية بل يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني، ويعوق النمو والاستدامة في القطاع العقاري. لذا، فإن اعتماد معايير موحدة للتقييم العقاري سيكون له تأثير إيجابي في تحسين شفافية السوق، تعزيز الثقة في المؤسسات، وتحفيز النمو الاستثماري في القطاع العقاري، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني بشكل عام.

الباحث في الشأن العقاري : المستشار  والمقدر والمحكم  العقاري الدولي : د. غسان عذاربه .

 

مواضيع قد تعجبك

مواضيع قد تعجبك