تنمو موجودات البنك المركزي لتصل إلى 19.3 مليار دينار أردني نهاية عام 2024، منها موجودات أجنبية بقيمة 16.8 مليار دينار أردني، وتتزايد الاحتياطيات الأجنبية إلى أكثر من 21 مليار دولار أميركي، مما يوفر تغطية لمستوردات المملكة من السلع والخدمات لأكثر من 8 شهور، مقارنة بالمعيار الدولي البالغ 3 شهور. وتظهر المؤشرات النقدية والمصرفية تحسناً، حيث ارتفعت ودائع العملاء بنسبة 2.8%، وزادت التسهيلات الائتمانية بنسبة 2.4% لتصل إلى 34 مليار دينار. فيوافق مجلس الوزراء على توصية البنك المركزي الأردني بزيادة رأس مال البنك إل? 100 مليون دينار أردني بدلاً من 48 مليوناً (بزيادة تقارب الضعف)، وذلك لتعزيز «المتانة المالية» لقاعدة رأس المال بما يتناسب مع حجم موجوداته.
مؤشرات «المتانة المالية» متعددة ومتنوعة، أظهرت معظمها تحسناً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، وقد أتى هذا القرار وسط مجموعة من المؤشرات المصرفية المهمة، مثل مؤشر نسبة كفاية رأس المال أو نسبة ملاءة رأس المال (رأس المال/ الموجودات المرجحة بالمخاطر) التي بلغت 17.6%، بالإضافة إلى مؤشر نسبة الديون غير العاملة إلى إجمالي الديون والتي تقدر بحوالي 5.6%، ومؤشر نسبة تغطية الديون غير العاملة التي تقارب 73%. وأخيراً، مؤشر نسبة السيولة القانونية، الذي يُستخدم لقياس قدرة الشركة على تحمل الالتزامات المالية القصيرة باستخدام أ?ولها السائلة، والذي بلغت نسبته 138%. تحمل هذه المؤشرات دلالات اقتصادية ونقدية عميقة، وتشير مجتمعة إلى متانة الاقتصاد الأردني.
بالنظر إلى التطور التاريخي، بلغت موجودات البنك المركزي في عام 1993 نحو 2.8 مليار دينار، قابلها رأس مال مقداره 18 مليون دينار. وفي عام 2013، وهو العام الذي زيد فيه رأس المال للمرة الثالثة، بلغت الموجودات 13.2 مليار دينار، مقابل رأس مال قدره 48 مليون دينار. أما في عام 2024، فقد ارتفعت الموجودات إلى 19.3 مليار دينار، مما استدعى رفع رأس مال البنك للمرة الرابعة إلى 100 مليون دينار. من جهة أخرى، ارتفعت حقوق الملكية في ميزانية البنك المركزي من 60.3 مليون دينار عام 1993 إلى 290.8 مليون دينار عام 2013، ثم واصلت ارت?اعها إلى 733 مليون دينار بحلول نهاية عام 2024.
قرار زيادة رأس مال البنك المركزي ليس مجرد «استجابة قانونية» تفرضها زيادة الموجودات، بل هو رسالة واضحة من الحكومة والبنك المركزي تؤكد متانة القطاع المصرفي والنقدي في الأردن. فزيادة الاحتياطات الأجنبية لأي دولة تعد مؤشراً على تحسن النشاط الاقتصادي وزيادة الثقة به، إذ تأتي هذه الاحتياطيات من العملة الأجنبية والذهب من عدة مصادر تعكس النشاط الاقتصادي، وعلى رأسها حجم الصادرات، والدخل المتأتي من القطاع السياحي، والاستثمار الأجنبي المباشر، والمنح الخارجية، بالإضافة إلى تحويلات العاملين في الخارج.
لا شك بأن زيادة رأس مال البنك المركزي تساهم في تعزيز مركزه المالي، مما يعزز قدرته على إدارة موجوداته والتدخل في السوق النقدية بفعالية، مع الحفاظ على استقلاليته ومصداقيته. كما تسهم في تعزيز الاستقرار المالي ورفع كفاءة إدارة السياسة النقدية، لا سيما في عمليات السوق المفتوحة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تزيد من قدرة البنك المركزي على القيام بدوره كمقرض أخير للبنوك وإدارة السيولة في السوق النقدية، خاصة في الأوقات الحرجة، مما يحمي الاقتصاد الأردني ويعزز مناعته. كما تؤدي إلى تقوية ميزانية البنك المركزي، ورفع كفاءة إ?ارة المخاطر والموجودات الأجنبية، مما يعزز الثقة في السوق المحلي، خصوصًا لدى المستثمرين.
يمر العالم والمنطقة بتغيرات اقتصادية وتجارية كبيرة، حيث تؤثر قرارات الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر اقتصاد عالمي، على الأسواق الدولية، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات الجمركية المفروضة على العديد من الدول. في هذا السياق، يواجه الأردن هذه التحديات بخطوات استباقية، خصوصًا فيما يتعلق بتجميد المساعدات الأميركية الخارجية، والتي تشكل ٥.٩% من الإيرادات العامة. كما يستعد الأردن لمراجعة قادمة من قبل صندوق النقد الدولي، إذ تعكس متانة وضعه الاقتصادي مدى قوته السياسية. وفي هذا الإطار، يُعد الحفاظ على التصنيف الائتماني للأ?دن أولوية لتعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني.
خلاصة القول إن سياسة نقدية فاعلة وقوية، إلى جانب تسريع عجلة النمو الاقتصادي من خلال تنفيذ مشاريع كبرى مثل مشروع سكة الحديد الشيدية، الناقل الوطني للمياه، ومشروع مرسى زايد، ستساهم في رفع معدلات النمو، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة تدعم الاقتصاد المحلي، كما ستبعث برسالة سياسية تؤكد قوة الأردن ومنعته.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
صحيفة الرأي