*
الاثنين: 03 فبراير 2025
  • 03 فبراير 2025
  • 08:50
بين الانفعال والعقلانية: كيف نواجه الصراعات؟
الكاتب: تهاني روحي


في وقت يشهد العالم اضطرابات متزايدة وصراعات مستمرة، نجد أنفسنا أمام تحدٍ كبير يتمثل في كيفية التعامل مع هذه الأزمات بعيدًا عن ردود الفعل العاطفية والانفعالات اللحظية. ويزداد التساؤل حول كيفية استجابتنا لهذه التحديات الخطيرة، خاصة وأن مشاهد المعاناة وإراقة الدماء التي شهدتها منطقتنا تثير فينا حزنًا عميقًا. كل صاحب ضمير حي يشعر بالألم أمام هذه المشاهد التي تخلق البؤس والاضطراب وتزيد من تعقيد المشهد الدولي.

ولكن بعد أن هدأت العواصف التي ألمّت بنا في المنطقة قليلاً، حان الوقت لنتفكر في دورنا ونتساءل:  ما نوع الاستجابة التي ينبغي علينا تبنيها؟ هذا السؤال يستحق منا تأملاً عميقًا.
على مدار العامين الماضيين، قُتل مئات الآلاف نتيجة للصراعات المسلحة، والاغتيالات، وانهيار الأنظمة والأيديولوجيات. وفي خضم هذه الفوضى، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالغضب، وتحولت إلى منصات لتفريغ المشاعر عبر الشتائم والاتهامات الموجهة ضد حكومات أو فصائل أو كيانات سياسية. أصبحنا نستهلك الغضب ونعيد تصديره ككرة ثلج متدحرجة تكبر يومًا بعد يوم. ولكن هل كانت هذه هي الاستجابة الصحيحة؟
إن حل الخلافات العميقة في المجتمع لا يمكن أن يتم عبر موجات الغضب المتكررة، بل يتطلب صبرًا وإرادة لإحداث تحول اجتماعي حقيقي. نحتاج إلى أن نهدأ، وأن نلملم جراحنا، وأن ننفض عنا غبار الغضب، وأن ننأى بأنفسنا لبعض الوقت عن الضجيج الإلكتروني لنفكر بعقلانية في العواقب.
لا بد من بدء حوار حقيقي على مختلف المستويات، حوار يتسم بالعقلانية والمحبة والانفتاح، يسعى إلى الترويج للسلام بمعناه العميق، بدءًا من تحقيق السلم المجتمعي وصولًا إلى السلام العالمي. فحل الخلافات المتأصلة في المجتمع يتطلب صبرًا طويلاً وجهودًا مستمرة. نحتاج إلى التوقف عن التفاعل العاطفي مع كل حدث والبدء في التفكير بعمق.
كإعلاميين ومتابعين لمشهد وسائل التواصل، أصبح واضحًا كيف فقدنا البوصلة أحيانًا، وسط ضبابية المشهد واليأس الناجم عن الأحداث المتسارعة والمهولة التي تجاوزت قدرتنا على الاستيعاب. لكن المطلوب اليوم هو الفطنة، والتبصر، والتحليل، والعمل الجاد لاستخلاص الدروس من هذه الأزمات.
لا يمكننا أن نغفل عن حجم الضغوطات التي تعرض لها الشباب تحديدًا، حيث وجدوا أنفسهم في مواجهة النبذ الاجتماعي لمجرد التعبير عن آراء مخالفة للسائد، أو لمحاولتهم التحلي بالصبر والحكمة في التعامل مع الأحداث. لقد أظهر البعض شجاعة في الصمت، ورباطة جأش في تجنب الانجرار وراء الشقاق والانقسام. لكن يبقى السؤال: كيف يمكننا فتح نقاش حقيقي يتيح اكتشاف نقاط الالتقاء، لنحافظ على وحدتنا وسط التناقضات، ونساعد المجتمعات المتصارعة على إيجاد أرضية مشتركة للحوار والتفاهم؟
والآن، بعد أن هدأت العاصفة، علينا أن نتعامل بحكمة مع وسائل التواصل الاجتماعي التي ما تزال تشعل الغضب وتزيد من حدة الانقسامات. لنكن أكثر وعيًا بكيفية استخدامنا لهذه المنصات، ولنعمل على تعزيز الحوار والتفاهم بدلًا من الكراهية والانقسام. وربما إعادة التفكير في أدوات تواصلنا، والانتقال من الغضب إلى الفعل البناء، ومن التشدد إلى التفاهم، ومن الانفعال إلى التعقل. هكذا فقط يمكننا أن نصنع تغييرًا حقيقيًا ومستدامًا.

صحيفة الغد

مواضيع قد تعجبك