*
الثلاثاء: 04 فبراير 2025
  • 30 يناير 2025
  • 01:34
غرفة صراصير تهاني أبو دقة
الكاتب: رانية الجعبري

 

لم تكن تصريحات المسؤولة الفلسطينية السابقة تهاني أبو دقة ضد الأردن تصريحات عابرة، لكن لها صلة وثيقة بمزاج طارئ لدى الفلسطينيين ولا بد من تشريحه.
تسنت لي زيارة فلسطين بصورة سريعة في صيف العام 2024 (أي بعد 10 أشهر من 7 أكتوبر)، ورغم أن الزيارة لم تتجاوز الستة أيام، إلا أنني لمست منذ دستُ أرض بلدي كراهية لم أعهدها للجانب الأردني ولم تكن قبل ذلك أبدًا.
المثير للسخرية أنني سمعت شتائم للأردن في مناطق لم تستطع مقاطعة المنتجات الاسرائيلية (من بوظة وكولا وغيرها من الكماليات)، طبعًا هنالك من قاطع المنتجات الاسرائيلية في فلسطين، لكن ومقارنة بالحالة الأردنية كانوا قلة، ففي الأردن كُنّا وما زلنا نسير في درب مقاطعة المنتجات الأميركية (في الأردن كان هنالك نشاط دائم لمنع وصول أية منتجات اسرائيلية منذ 1995)، وأنجزنا الكثير في مجال إغلاق علامات تجارية تدعم إسرائيل!
إن مزيج الكراهية والرفض في فلسطين الذي لمسته بعد 7 أكتوبر إنما هو طارئ فعلًا إذ أنه وقبل 14 عامًا عندما زرت فلسطين بعد غياب، لفتتني كثيرًا أغاني عمر العبدللات الوطنية وغير الوطنية وهي تصدح في أعراس فلسطين، وبينما كنت أشق طريقي في الصحافة في عمّان مُعارضة لكثير من سياسات بلدي التي ربتني (الأردن) كنت أجد قبولًا كبيرًا لسياسة الأردن وثقافتها وتفاصيلها في فلسطين.
على طول تلك السنوات، وفي ظل ما يسمى الربيع العربي، تغيرت نظرتي لفكرة المعارضة،و بعد أن رأيت الخراب الذي يسببه إطلاق يد الشعوب في الأوطان، تبلورت فكرة المعارضة في ذهني أكثر، وزاد على ذلك الموقف الأردني المتقدم بعد 7 أكتوبر، والذي قوبل بنكران حقيقي من حركة حماس، بصورة لم أفهم أسبابها إلا بعد مباركة حماس سقوط سورية يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
أعود إلى زيارتي السريعة لفلسطين، فقد كان واضحًا أن ثمة شيئًا تغير في المزاج الفلسطيني، ولا يحتاج الأمر لكثير من التحليل عند العودة لمواقف حماس من مواقف الأردن، التي تتقدم على مواقف دول عربية عديدة، لا تبادلها حماس أي رفض أو كراهية، رغم أن تلك الدول مارست ضغوطًا على حماس بشكل أو بآخر.
بقيتُ أضع الموضوع في سياقه البسيط، حتى سقطت سورية وباركت حماس سقوطها، فكان واضحًا أن "الربيع العربي" الذي اعتقدنا أنه دُفن في سورية، عاد للحياة من جديد وعرابته هذه المرة "حماس"، وهذا فكّ بالنسبة إلي طلاسم سلوكيات حماس حيال الأردن منذ 7 أكتوبر حتى اليوم.
أقول لأهلي في فلسطين، بإمكانكم أن تكرهونا هنا في الأردن، لا سُلطة لنا على مشاعركم، لكن هذه الكراهية عندما تخرج من حدود فلسطين وتمتد إلى العوام في الأردن أول ما تؤذي القضية الفلسطينية، وأعلم وألمس أن شعار "فلسطين أولا" باتت يعشش في عقولكم بصورة لم أعهدها من قبل، لكنه هو ذات الشعار التي رفعته القوى الفلسطينية في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي وقادنا إلى أوسلو، وهذه العقلية الفردانية التي تعشش في عقولكم اليوم ستقودنا إلى ما هو أسوأ من أوسلو.
إن الكراهية التي باتت تطفو على السطح قد تشق حالة الوحدة والانسجام في الأردن وتؤذي الأردن وربما سيؤدي الأمر إلى خسارتكم أراض جديدة في فلسطين على حساب الأردن، وشئتم أم أبيتم فإن فلسطين لن تتحرر إلا بدول عربية قوية، وإن إضعاف الأردن (وإن أدى لصعود الاخوان المسلمين وهو ما تسعون إليه) لكنه سيسبب لكم أنتم نكبة جديدة.
إن الكراهية لا تبني الأوطان، وإن التسليم للفصائل الفلسطينية بدون مراجعة وتدقيق سلوكها السياسي والعسكري ونقد 7 أكتوبر تحديدًا سيقودنا كلنا إلى ما هو ألعن وأقسى من نكبة 1948.
لو نجح 7 أكتوبر فعلًا ما كان سيقودنا إلى كل هذا.. وما كان سيقودكم إلى كل هذه الكراهية..
أما أهلي في الأردن فأقول لهم، علينا أن لا نقابل الكراهية بكراهية مثلها، ربما علينا العودة إلى إرث أجدادنا الأنباط، وأحسنُ من صورهم كان الرحابنة في مسرحية "بترا" عندما غنت فيروز "بيقولوا صغير بلدي": المحبة غضب والكرامة غضب والغضب الأحلى بلدي.
إننا كأردنيين وأردنيين من أصول فلسطينية في هذا البلد المتبقي على حالته الآمنة في إقليم ملتهب مدمر، إذا أردنا حماية وطننا وعدم خسارته علينا أن نُسَيّجهُ بالمحبة، والمحبة فقط.
 

مواضيع قد تعجبك