خمسة محاور أساسية عكستها اللقاءات والزيارات التي عقدها سمو ولي العهد في منتدى دافوس الاقتصادي، تُظهر تماماً كيف يفكر سموه في التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني، والأهم الفرص والطموحات المستقبلية الممكنة لتجاوز تلك التحديات وتحسين الواقع الحالي.
أهم التحديات التي تشغل بال جلالة الملك وسمو ولي العهد هي ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 21.5% في عام 2024، بالإضافة إلى معضلة النمو الاقتصادي المتواضع الذي بلغ 2.4% لنفس العام، وهما تحديان يشكلان حجر الزاوية الرئيسي لأهداف رؤية التحديث الاقتصادي. لذلك جاءت زيارة سمو الأمير إلى دافوس، وبالأخص اللقاءات المهمة التي عقدت هناك، لتبرز رؤية الدولة الأردنية في تحسين هذه المؤشرات من خلال خمسة محاور رئيسية.
المحور الأول: أهمية تحسين فرص تعزيز التعاون الدولي وتعميق العلاقات الدولية لتحسين الأداء الاقتصادي. التقى ولي العهد بالرئيس السنغافوري، لتأكيد ضرورة تعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي والابتكار، لا سيما أن سنغافورة تُعد نموذجاً ناجحاً في تحسين الكفاءة الحكومية وتحقيق التحول الرقمي. وهذا يمثل فرصة كبيرة للأردن للاستفادة من الخبرات السنغافورية في تحسين الخدمات الحكومية وتعزيز الاقتصاد الرقمي. وفي السياق ذاته، التقى سمو الأمير مع عمدة الحي المالي في لندن، حيث تم الحديث عن التعاون في مجالي التكنولوجيا المال?ة والطاقة المتجددة، في إشارة إلى أهمية توسيع نطاق التعاون بين الأردن والمملكة المتحدة، التي تُعد دولة رائدة في مجال التكنولوجيا المالية. يُفتح هذا التعاون المجال أمام الشركات الأردنية الناشئة للاستفادة من الفرص العالمية المتاحة.
المحور الثاني: أهمية الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة، اللذين باتا ركيزتين للنمو المستدام. في الوقت الذي يسعى فيه الأردن إلى تنويع اقتصاده وتحقيق التنمية المستدامة، يعد الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة من أولويات الحكومة. فمن خلال زيادة الاستثمارات في هذه المجالات، يسعى الأردن إلى رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 15% بحلول عام 2033، مقارنة بحوالي 4% حالياً. هذا التحول سيكون حيوياً في مواجهة تحديات مثل البطالة والفقر، حيث يُتوقع أن يوفر الاقتصاد الرقمي فرص عمل جديدة للشباب.
من ناحية أخرى، يسعى الأردن لتوسيع استخدام الطاقة المتجددة لتوفير حوالي 30% من احتياجاته من الكهرباء بحلول عام 2030. سيساهم ذلك في تقليل الاعتماد على واردات الطاقة التي تُشكل حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
المحور الثالث: الاستثمار في الابتكار وريادة الأعمال. أثناء الزيارة، أجرى سمو الأمير لقاء مع المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية للبحث في سبل تعزيز التعاون بين الأردن والمنظمة في مجال الابتكار وريادة الأعمال. هذا التعاون يمثل خطوة كبيرة في حماية حقوق الملكية الفكرية وتشجيع إطلاق مشاريع مبتكرة تُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. كما أن تطوير بيئة محفزة لرواد الأعمال المبدعين يُعد عاملاً أساسياً في تحفيز الاقتصاد الأردني على النمو. وفي هذا السياق، أكد سمو ولي العهد أهمية فتح آفاق جديدة للشركات الأردنية ?توسيع أعمالها في الأسواق العالمية.
المحور الرابع: تأهيل وتدريب الشباب الأردني، الذي يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني. هناك فرصة كبيرة تتمثل في الاستفادة من الشباب الأردني من خلال توفير فرص تدريبية في مجالات التكنولوجيا والابتكار. ومن خلال زيارة ولي العهد، تم التأكيد على أهمية برامج التدريب المهني والشراكات التي تعزز مهارات الشباب الأردني في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. وفي هذا السياق، وبتوجيه ملكي، تشكّل المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، الذي يهدف إلى تطوير بيئة ريادة الأعمال وتشجيع الابتكار لتوفير فرص عمل جديدة ?لشباب وتزويدهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل العالمي.
المحور الخامس: تعزيز موقع الأردن كوجهة استثمارية. ارتكزت اجتماعات سمو ولي العهد على تعزيز الاستثمار في مجالي التكنولوجيا والطاقة المتجددة، وهما الركيزتان الأساسيتان اللتان يمكن أن تُسهما في تحفيز النمو الاقتصادي في الأردن. خاصة اللقاءات المنفصلة مع رؤساء تنفيذيين ومؤسسي وممثلي عدد من الشركات العالمية، والتي جرى خلالها استعراض المزايا التي يقدمها الأردن كوجهة استثمارية للشركات، خصوصاً تلك العاملة في قطاع التكنولوجيا، مثل الكفاءات الشابة المدربة، وخدمات البنية التحتية التقنية، بالإضافة إلى برامج التدريب التي?تدعم الشباب وتزودهم بالمهارات التقنية والتكنولوجية، لإعدادهم لسوق العمل.
زيارة سمو ولي العهد إلى دافوس خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية اقتصادية طموحة، حيث يسعى الأردن لأن يكون مركزاً إقليمياً للتكنولوجيا والابتكار. وبينما تواجه المملكة العديد من التحديات، فإن الفرص المتاحة في قطاعات الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة ستُسهم في تحقيق مستقبل مستدام ومزدهر للأجيال القادمة، مع استمرار دعم الحكومة للأفكار المبتكرة والشركات الناشئة.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية