في عالم اليوم، ومع انتشار الوعي بالروحانية وممارساتها المختلفة، أصبحنا نشهد اهتماماً متزايداً بطقوس مثل التأمل، معرفة الشاكرات، ارتداء الأحجار الكريمة، والانضمام إلى رحلات روحية تحت إشراف مدربين مختصين. بالنسبة للكثيرين، تبدو هذه الممارسات كدليل على بلوغ مستوى عالٍ من الوعي والمعرفة. لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل هذه الطقوس هي الغاية أم مجرد وسيلة؟
الحقيقة أن هذه الممارسات، على الرغم من فوائدها، قد تتحول أحياناً إلى سجن جديد للروح. عندما يصبح التركيز منصباً على المظاهر والطقوس الخارجية، قد ننحرف عن الهدف الحقيقي للروحانية، وهو البحث العميق في الذات والاتصال بالحقيقة الداخلية. الروحانية ليست شعوراً بالتفوق على الآخرين أو الاعتقاد بأننا أفضل لأننا نمارس طقوساً أو نملك معرفة معينة. إنها رحلة تواضع وسعي صادق لفهم معنى الوجود والاتصال بالله والحقيقة المطلقة.
إن الوقوع في فخ “إيجو الروحانية” هو تحدٍّ حقيقي. هذا الإيجو يدفع البعض للشعور بأنهم أكثر وعياً أو أفضل ممن حولهم، لأنهم يمتلكون معرفة خاصة أو يمارسون طقوساً روحية. لكن الروحانية الحقيقية لا علاقة لها بالمظاهر أو التفوق؛ بل هي حالة من السلام الداخلي والتوازن الذي لا يعتمد على العالم الخارجي.
الوعي الحقيقي لا يُقاس بعدد الجلسات التأملية التي نقوم بها أو عدد الأحجار الكريمة التي نرتديها. إنه حالة من التحرر الداخلي، التحرر من الأنا والمفاهيم الزائفة التي تضعنا في مقارنة دائمة مع الآخرين. الوعي هو إدراك أن الحقيقة التي نبحث عنها ليست في الخارج، بل في أعماقنا، في تلك المساحة الداخلية التي تحمل الجواب عن السؤال الأهم: “من أنا؟”.
لا يعني هذا التقليل من قيمة الطقوس الروحانية أو الممارسات التي تساعدنا في رحلتنا. على العكس، أنا شخصياً أمارس وأعلم هذه الطقوس وأرى قيمتها العظيمة عندما تُستخدم كأدوات لدعم رحلتنا الداخلية. التأمل، على سبيل المثال، يمنحنا فرصة للهدوء واكتشاف الذات. الأحجار الكريمة تحمل طاقات قد تساعدنا على الشفاء أو التوازن. ومعرفة الشاكرات يمكن أن تكون وسيلة لفهم الجسد والروح بشكل أفضل.
لكن المفتاح هنا هو استخدام هذه الأدوات بحكمة، كوسائل تساعدنا على تقوية الاتصال الداخلي وتطهير الروح، وليس كغاية بحد ذاتها. عندما نركز على التعمق في أنفسنا بدلاً من التفاخر بما نمارسه، نصبح قادرين على تجاوز القيود والترددات التي تعيقنا عن الوصول إلى جوهرنا الحقيقي.
في النهاية، الروحانية الحقيقية هي حالة من التواضع والانفتاح، حيث ندرك أن الحقيقة المطلقة هي واحدة: “لا إله إلا الله”. هذه الكلمات ليست مجرد شعار، بل تجربة روحية عميقة تعبر عن التوحد مع الوجود الكامل. هي دعوة للتخلي عن الأنا والسعي لفهم العلاقة بيننا وبين الكون وخالقه.
لذلك، دعونا لا نقع أسرى للمظاهر أو نسمح للطقوس بأن تصبح غاية في حد ذاتها. بدلاً من ذلك، لنستخدمها كأدوات تقودنا إلى الداخل، إلى أعماق أرواحنا، حيث تكمن الحقيقة والسلام. فالرحلة الحقيقية ليست لإثبات أننا مختلفون أو أفضل من الآخرين، بل لاكتشاف حقيقتنا والعيش في انسجام مع ذاتنا ومع الكون من حولنا.