*
الاثنين: 27 يناير 2025
  • 25 يناير 2025
  • 19:25
هل فعلًا هناك عذاب قبر!؟
الكاتب: محمد مرقة

يقول الدكتور هيثم طلعت:" فصل الكاتب عن كتابه، و فصل المؤلف عن نصه، وإعطائي حق التفسير، هذا يسقط هيبة الكاتب أصلًا".


 
من كلام الدكتور هذا، أنطلق في إيضاح ما أريده من هذا المقال، وليس الغرض منه، عرض مئات الأدلة من القرآن والسنة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه ثبوتًا لا يحتمل الشك ولا النقض. ولعلك تتنبه معي لأمر، وهو أننا قبل القليل من السنوات، لم نكن نسمع بهذا السيل من التشكيك والإنكار عبر وسائل التواصل الإجتماعي، والبرامج التلفزيونية والإذاعية، والكتب، والمطبوعات، والمنشورات لعذاب القبر، وكانت هذه العقيدة محل تسليم عند كل المسلمين حالها حال كل العقائد، كوجود الملائكة، ويوم القيامة ومعجزات الأنبياء، وعليه فإننا نسأل : ما الذي جرى وما الذي تغيّر!؟.

أذكر أني قبل مدة، كنت في بيت عزاء، وكان يجلس إلى جانبي شيخ، وكان يقابلنا في المجلس رجلٌ ستينيّ، وبعد أن أعطى الشيخ درسه ودعا للمُتوفّى، قال ذاك الستينيّ للشيخ: عندي سؤال، من نتبع في مسألة عذاب القبر!؟، هناك علماء يقولون يوجد عذاب قبر، وآخرون يقولون: لا يوجد.


فأجابه الشيخ الإجابة الشرعية بالأدلة والبراهين من القرآن والسنة. فسكت الرجل، وقرأت في وجهه أنه لم يقتنع، فلم أجد بدًا من القول له: هل من الممكن أن أسألك سؤالًا؟، وبعد موافقته قلت: هؤلاء الذين تسميهم (العلماء الذين ينكرون عذاب القبر) من هم؟، فسكت ولم يحر جوابًا، فقلت: لعلك تقصد فلانًا؟، فهز رأسه أن نعم، فقلت: بالله أسألك، هذا الذي لا يستطيع نطق جملة عربية واحدة دون خطأ، ولا يحفظ شيئًا من القرآن، ولا السنة، ولا الفقه، ولا شعر العرب ونثرهم، وهو غير متخصص حتى في أي علم من العلوم البشرية، هذا عالم!؟. فسكت الرجل كسكوته الأول، لكني هذه المرة قرأت في وجهه بعض الاقتناع.

وهنا تكمن المشكلة، أننا نرى كثيرًا من المسلمين يتبعون في إنكار الكثير من العقائد، كعذاب القبر ونعيمه، والصراط المنصوب فوق جهنم، ويأجوج ومأجوج والدجال ...الخ، أناسًا لا يحق لهم التكلم أصلًا في أمور الدين، وهم فارغون تمامًا من أي مؤهل يسمح لهم بذلك. وهنا أعود إلى كلام الدكتورهيثم، بأن فصل النص عن كاتبه وإعطاء الحق لمن هب ودب، للانكار والتأويل يؤدي بنا إلى كارثة، وعاصفة من الشكوك والتخبط، تنتهي بنا إلى الخروج من الدين بالكلية، فكم رأينا من شاب بدأ بإنكار عذاب القبر بدعوى أنه غير وارد في القرآن، فآمن ببعض السنة وجحد البعض الآخر، ثم جحدها كلها، ثم وجد نفسه أمام عقائد غيبية في القرآن، لا يجد عقله المشبع بالشكوك والشبهات من ردّها كفلق البحر لموسى عليه السلام ونوم أصحاب الكهف مئات السنين فردّها، ثم ردّ القرآن كله، وخرج من الإسلام جملة وتفصيلًا. وإن كنت تظنني أبالغ، فارجع إلى يوتيوب وانظر مثلًا، إنكار عالم آثار مصري لفق البحر لموسى عليه السلام بدعوى أن هذا غير ثابت علميًا.

طيب بقي أمر، هل معنى كلامي هذا، أن يبقى المسلم مغلق العينين، متبعًا للعلماء في كل ما يقولونه، دون تفكير وإعمال عقل!؟. والحق أن الأجابة عن هذا السؤال تكون: نعم ولا.

نعم، إذا كنت شخصًا يتثاقل من العلم، ويتكاسل عن دراسة أساسيات دينه، والإلمام بالمعلوم من الدين بالضرورة التي لا يُعذر مسلم بجهلها، وتركها وجحودها، فخير لك اتباع العلماء المتخصصين في أمور الدين من اتباع كل من هب ودب.


 
ولا، إذا كنت من المجتهدين المشمرين عن ساق الجد، الذين يثنون الركب عند العلماء المتخصصين، العاكفين على كتاب الله وسنة رسوله، النهمين للقرآءة، الحافظين والفاهمين، المطلعين على عقائد باقي الفرق والأديان. فإذا كنت كذلك، ستكتشف أن ما أجمع عليه علماء الأمة طيلة أربعة عشر قرنًا، ما هو إلا الحق، وستكون - مع كامل القناعة - لبنة ضمن هذا السور العظيم الحامي لعقائد أهل الإسلام.

مواضيع قد تعجبك