*
الجمعة: 31 يناير 2025
  • 03 فبراير 2008
  • 00:00
اسرائيل تتذرع بالخيار الأردني
عمر العساف خبرني - عاد مصطلح "الخيار الأردني" يتردد في الآونة الأخيرة في أكثر من موقع ومكان من دون أن يصدر عن الجهة التي ارتبط هذا "الخيار" باسمها، وهو الأردن، أي تعليق أو رد حتى الآن. عمان كانت تردد دائما موقفها حيال هذا الموضوع الذي يتلخص في أن همّ الأردن في المقام الأول هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بصفته خياراً استراتيجياً مرتبطاً بالأمن القومي الأردني، ومن ثم لكل حادث حديث. ويعلل مسؤول أردني عدم رد المملكة على إعادة طرح الموضوع بالتذكير بالموقف الأردني المعلن حياله. ويقول إن تكرار إعادة طرحه بين وقت وآخر بات لا يستحق الرد عليه، وأن وضوح الموقف الأردني لا يحتاج بدوره إلى تكراره، وأن "قلة الجواب جواب". ويؤكد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن إعادة طرح المصطلح يوضح أن هناك أزمة لدى الطرف الذي يطرحه، من دون أن يسميه. ويقول إن الدولة الأردنية، التي حسمت خيارها، تعي جيداً دوافع الذين يطرحون هذا الخيار، وتعي كذلك أن هذا الخيار "ليس أردنيا ولا يصب في مصلحة الاردن بأي شكل". هذا الموقف الأردني يعرضه بصورة واضحة المحلل السياسي الأردني من أصل فلسطيني حمادة فراعنة، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني ونائب سابق في البرلمان الأردني. يقول إن ما يسمى "الخيار الأردني" بالفهم المطروح لا وجود له إطلاقا في القاموس السياسي الأردني. ويضيف أن "الخيار الذي يتحدثون عنه هو "خيار إسرائيلي" أو عنوان ووصف إسرائيليين لخيارهم وليس لخيار أحد آخر". ويؤكد أن "الخيار المسمى تعسفا الأردني، مرفوض من أعلى سلطة سياسية وسيادية في البلاد، ومن الفلسطينيين والدول العربية كذلك". ويشدد على أن الخيار الأردني بالنسبة إلى الأردنيين هو "الخيار الفلسطيني" القائم على إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وتسخير جميع الجهود الأردنية لتحقيق هذا الهدف. ويشير إلى أن هذا الموقف الذي تبناه العاهل الراحل الملك الحسين بن طلال، تجلى في أوضح صوره عند الملك عبدالله الثاني بن الحسين في خطابيه التاريخيين، الأول أمام الكونغرس الأميركي في آذار الماضي، والخطاب الآخر الذي ألقاه أمام البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني الماضي في ستراسبور. جذور الفكرة يذهب مؤرخون إلى أن مصطلح "الخيار الأردني" ليس حديثا، وليس أميركيا كذلك، وأنه قديم قدم الانتداب البريطاني على فلسطين والأردن. ويورد المؤرخ إميل الغوري في كتابه "فلسطين 60 عاما على القضية" أن الخيار الأردني طرح عام 1937 على الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين آنذاك، من السكرتير العام في السفارة البريطانية المستر هول الذي عرض على المفتي حل القضية الفلسطينية على أساس إنشاء دولة يهودية في قسم من فلسطين، وضم القسم الباقي من فلسطين الى شرق الأردن وإجراء استفتاء شعبيٍ في ذلك القسم من فلسطين وفي شرق الأردن لاختيار رئيس للدولة الجديدة، وفي محاولة للإيقاع بين المفتي والأمير عبدالله (مؤسس المملكة في ما بعد). اذ حاول هول اقناع المفتي بأن بريطانيا على يقين من أن الاستفتاء سيكون لمصلحته ليصير رئيسا للدولة المقترحة. وهو ما رفضه الحسيني الذي تحدى هول أن يجد عربيا واحدا يقبل بتقسيم فلسطين، وتأكيده أنه شخصيا سيكون أول من يبايع الأمير عبدالله ملكا على دولة تضم أرض فلسطين كلها وليس جزءا منها. بعد ذلك أعيد طرح فكرة "الخيار الأردني" من عدد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية عقب حرب حزيران 1976. وتبنت حكومات حزب العمل برئاسة ليفي اشكول (1967ـ- 1969)، وغولدا مئير (1969 - 1974) وإسحق رابين (1974 - 1977) الخيار الأردني الذي كان يعني أن يقوم حل المشكلة الفلسطينية على نقل السيادة على أكثرية أرض الضفة إلى الأردن. سيناريوات الخيار غير أن"الخيار الأردني" حتى الآن لم يجد توصيفاً محدداً أو اتفاقاً على شكله وبنيته وسيناريواته، وهو في العموم لم يخرج عن ثلاثة سيناريوات: أولها فكرة "الوطن البديل"، وهي منتج إسرائيلي صرف، تبناه اليمين الذي يرى أن الوطن البديل للفلسطينيين هو شرق نهر الأردن، وأن عليهم إقامة دولتهم هناك. السيناريو الثاني هو الكونفيديرالية، وهو خيار طرحه الملك الراحل حسين بن طلال، غير أنه تراجع عنه بعدما فك ارتباط بلاده مع الضفة الغربية عام 1988، وأعاد صوغه بالتأكيد أن الحديث عن الكونفيديرالية يجب أن يكون بعد ان يحقق الفلسطينيون مطالبهم المشروعة وعلى رأسها إقامة دولتهم، وبعد ذلك يقرر الشعبان الأردني والفلسطيني ما إذا أرادا الكونفيديرالية أو أي شكل من أشكال الوحدة بملء إرادتهما الحرة. وقد كرر موقفه هذا حتى وفاته. وقبل ذلك طرح فكرة المملكة المتحدة عام 1972 التي تتشكل من الضفة الشرقية والأجزاء التي تحرر أو تستعاد من الضفة الغربية، وهو ما رفضته آنذاك منظمة التحرير الفلسطينية وعدد من الدول العربية. أما السيناريو الأخير، وهو الأكثر تطرفا، فكان يقول بطرد الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية ليكونوا تحت رحمة الأردنيين من دون السماح لهم بانشاء دولتهم هناك. وهو يحمل في طياته كذلك توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وإقفال ملفهم نهائيا. ولهذا الخيار الذي ينادي به المتطرفون اليهود امتدادات أخطر يحذر منها السياسيون العرب الفلسطينيون داخل إسرائيل (الخط الأخضر)، إذ يدعو إلى طرد العرب الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر إلى الأردن والى مشكلة الديموغرافيا الفلسطينية الآخذة في التوسع والتمدد في إسرائيل، والحفاظ على نقاء أرضهم وبقائها لليهود فقط. وأصدر معهد "يافي" الإسرائيلي دراسة عام 1998، أشرف عليها السفير الأميركي السابق في تل أبيب مارتن إنديك، تعرض خيارات إسرائيل في السلام، وهي ستة بينها "الخيار الأردني". لماذا الآن؟ يعتقد فراعنة أن عودة طرح "الخيار الأردني" تنبئ بأزمة داخل إسرائيل مردّها فشل حكومة رئيس الوزراء إيهود أولمرت في مفاوضاتها مع الفلسطينيين وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات سياسية شجاعة تلبي المطالب الدولية وخصوصا الأميركية على غرار ما فعل رابين، الذي توصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى اتفاق أوسلو باعترافه بالشعب الفلسطيني والمنظمة والحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين. ويرى أن إسرائيل تعاني من فقدان القدرة على مثل هذه الاستجابة، بل أنها تنزع، محكومة بالنظرة اليمينية التوسعية، إلى إفشال الوصول إلى حلول، وفوق ذلك مواصلة الاستيطان والعقوبات الجماعية والاغتيالات وجعل الأرض الفلسطينية طاردة لسكانها. أي أن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على إدارة الأزمة وليس إيجاد حلول لها. وكذلك يعتقد أن الانتفاضة التي حدثت في غزة ودفعت الناس هناك نحو الحدود المصرية بعشرات الآلاف، وفر ذريعة للإسرائيليين بوجود إمكان لترحيل الغزيين إلى سيناء أو جلب قوات أمن مصرية إلى غزة، والامر ذاته يمكن تطبيقه في الضفة الغربية بترحيل الفلسطينيين إلى الأردن أو جلب قوات أردنية إلى الضفة تؤمن الحماية للإسرائيليين. وعزز الطرح الإسرائيلي لـ"الخيار الأردني" استمرار الانقسام الفلسطيني منذ انقلاب "حماس" على السلطة في غزة. هل تنجح إسرائيل؟ أردنيا، الجواب: لا.. العاهل الأردني قال إنه "لا يمكن استبدال الدبابة الإسرائيلية بدبابة أردنية ولا يمكن الاستعانة بالأمن الوطني الأردني لإبقاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية أو منحه الشرعية". ويوضح محرر الشؤون العربية في صحيفة "الرأي" اليومية فيصل ملكاوي أن الأمن القومي الأردني يتمثل بـ"عدم تصفية القضية الفلسطينية على حسابه"، لافتا إلى أن الملك كرر هذا الرأي مرات عدة، وخصوصاً أمام قيادة الجيش، عندما قال إنه يجب عدم السماح بتهجير شخص واحد عبر هذه الحدود. ويقول ملكاوي إن المسؤولين الأردنيين على رغم خشيتهم وقلقهم مما يحدث في غزة، إلا أنهم يعتقدون أن الوضع مختلف في الضفة الغربية. ويضيف أن الأردن الرسمي مهتم بأربع قضايا حيوية، لا يقبل أن يستبعد عنها خلال التفاوض، وهي: الحدود واللاجئون والقدس والمياه، إلى الطابع الأمني للاستيطان في غور الأردن المرفوض أردنيا. ويتفق مع فراعنة مع الرأي القائل بأن قيام الدولة الفلسطينية "مصلحة وطنية عليا وأساس الأمن القومي الأردني". ويشرح ذلك بالقول إن "دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مع إسرائيل تعني دفن الخيار الأردني وفكرة الوطن البديل إلى الأبد، وهي أشد ما يخشاه الأردن". كما أن إنشاء الفلسطينيين دولتهم سينهي معضلة الديموغرافيا في الأردن، وفق ملكاوي، ويحسم نهائيا فكرة ازدواجية الولاء بحيث يختفي مصطلح "أردني فلسطيني" بمعنى الانتماء السياسي والمواطنة، ويمكّن من وضع قانون انتخاب جديد يتجاوز هذه المشكلات. ويؤكد فراعنة أيضا عدم قدرة الإسرائيليين على تنفيذ مخطط "الخيار الأردني"، لأن الفلسطينيين، كما يرى بالتجربة، أثبتوا، على رغم الانقسام الحاصل في السلطة الآن، أنهم واعون لهذا المخطط "المرفوض من جانبهم" وهو ما تجلى في الانتفاضتين الأولى والثانية، فضلاً عن وجود أطراف عرب حازمين في وجه إسرائيل، وخصوصا جيرانها مصر والأردن ولبنان وسوريا التي ترفض بشدة استقبال فلسطيني واحد على أراضيها خلافا لما حصل عامي 1948 و 1967. وهو يؤمن بأن هذه الدول تعي مصالحها الوطنية جيدا وكذلك مصلحة الفلسطينيين في البقاء في أرضهم، وأن الديموغرافية الفلسطينية هي أهم العوامل التي تحبط المخططات الإسرائيلية. هذا الوعي العربي تجلى، وفق ملكاوي، في التنسيق الأردني - المصري الأسبوع الماضي واتفاق البلدين على رفض أي طرح أو خيارات غير الدولة الفلسطينية وأنه لا يمكن القيام بأي أدوار أمنية أو سياسية خارج إطار الدولة الفلسطينية المستقلة. ويلفت ملكاوي إلى أن الديبلوماسيتين الأردنية والمصرية حصلتا على توافق وتأييد عربيين على موقفهما هذا وخصوصا السعودية، وحتى سوريا التي ربما تختلف مع القاهرة وعمان في التكتيك، إلا أنها ترفض بدورها أي خيار غير الخيار الفلسطيني.   صحيفة النهار اللبنانية 

مواضيع قد تعجبك