*
الاربعاء: 22 يناير 2025
  • 04 آذار 2008
  • 00:00
اضطراب أسعار السلع
    خبرني - ارتفعت أسعار السلع بطريقة جنونية منذ بدء العام، وتواصلت المكاسب التي بلغتها في الفصل الرابع من 2007. لم تكن السلع أفضل الأصول إنجازاً هذه السنة وحسب، بل أهم من ذلك اشتركت كل قطاعات السلع بالارتفاع: الزراعة والمعادن الصناعية والثمينة وقطاع الطاقة بعكس فئات الأصول الأخرى كالأسهم وسندات الشركات التي كان أداؤها سيئاً والذي يعود جزئياً الى الغموض في البيئة الاقتصادية العالمية. وهذه تعتبر نهاية تقليدية للدورة الاقتصادية الناضجة عندما يرتقب ان تتجه الأصول الاستثمارية وخاصة الأسهم الى النزول، فيما أسعار السلع تستمر في الصعود من جراء محدودية المعروض وجموح الطلب. وفي الواقع، ان الاقتران الخبيث بين السياسة النقدية الميسّرة والدعم الداخلي الذي توفره الحكومات لاستهلاك السلع ومحدودية العرض دفعت بالأسعار الى الجو. وفي رأينا، إن سياسات الدعم هذه خفضت القدرة على كبح جماح الطلب من خلال ارتفاع زهيد في أسعار السلع في عدد كبير من البلدان. وقد نتج عن ذلك، ان الأسعار حلّقت عالياً كما ان ضعف الدولار دفع هذه الأسعار الى مستويات مرتفعة جداً. ويبدو ان الحالة الراهنة تشبه الى حد كبير الأزمة الآسيوية في 1997-1998 ولكن بطريقة معكوسة. ففي ذلك الزمن، عانت الشركات الآسيوية من فرط استعمال الدين واستنزفت البنوك المركزية الآسيوية احتياطها كي تحافظ على ارتباط عملاتها. وقد أعقب ذلك تخفيضات ضخمة في العملات الأسيوية كما ان صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية اضطرت الى الإسراع بالنجدة. اما الآن، فإن قطاع الرهونات العقارية الرديئة هو مصدر كل الشرور في أسواق الائتمان وان صناديق الثروات السيادية الآسيوية هبّت الى المساعدة في ترميم رساميل البنوك في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ومن حسن حظ الأميركيين ان كل الدين الرديء مقوّم بعملتهم. وهكذا نرى ان مزيداً من ضعف الدولار هو أمر يعتبر مبرّراً الى ان يستقرّ الغبار. في غضون ذلك، ان الاقتصادات الأسيوية المثقلة بالنقد ستتطلع الى تحويل موجوداتها من الدولار الى أصول تشمل النفط والحبوب والذهب.   النفط والفحم يرتفعان الى مستويات من الأسعار قياسية في الأسبوع الفائت: رغم سلسلة من التقارير السلبية نسبياً التي أصدرتها وزارة الطاقة في الولايات المتحدة واصلت أسعار النفط صعودها. لا شك، ان الطلب على النفط في الولايات المتحدة قد تباطأ الى حد كبير لكن السوق تجاهل هذه النقطة، فارتفعت أسعار خام غربي تكساس الوسيط الى ذروة قياسية ليتمّ الإقفال بسعر 102،6 دولار للبرميل في آخر الأسبوع الماضي. فهل السوق على حق في تجاهل المعطيات الأسبوعية الأميركية؟ في رأينا ان الجواب هو نعم مدوية، إذ ان الطلب على النفط خارج أميركا هو قوي رغم تطلعات الاستهلاك الضعيف في الولايات المتحدة. فأسواق الطاقة العالمية لا تزال في ضيق وهذا ما أثّر على أسعار الفحم في أوروبا وأفريقيا الجنوبية التي ارتفعت بقوة في الأيام الأخيرة حيث بلغ سعر الطن 143 دولاراً في أوروبا و113 دولاراً في أفريقيا الجنوبية. وبينما النفط الخام والفحم يصلان الى أسعار قياسية، انطلقت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة. وفي الواقع ارتفعت أسعار الغاز كثيراً حيث تغلّب في أدائه على الوقود الأخرى. فصعدت أسعاره 20% منذ أول كانون الثاني (يناير). ان سوقاً داخلية في الولايات المتحدة للغاز الطبيعي السائل أكثر ضيقاً مقرونة بتزايد في المنافسة العالمية على الغاز الطبيعي السائل أكّدت اتجاه الأسعار الصعودي للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في الأسابيع القليلة الأخيرة. الطلب المتنامي على الوقود العضوية يخلّف ضغطاً على الحبوب ارتفعت أسعار الحبوب بطريقة جنونية متأثرة بالطلب المتنامي على الوقود العضوية وبتطلعات الامدادات المتناقضة. فمخزونات الحبوب هي منخفضة جداً وأسعار القمح على الأخص، تتقلب بطريقة مذهلة. ففي حال تقلص المخزون ومحدودية الامدادات تحتاج الأسعار ان تتحرك نحو الصعود. وبالإضافة الى كل العوامل الاقتصادية التي ذكرناها آنفاً، فإن عدداً من المؤثرات على العرض ساعدت على استفحال التحركات في عدد واسع من أسعار السلع في الأيام الأخيرة. ففي مجال الطاقة، ان الهجمات المسلحة على صناعة النفط في دلتا النيجر قد اندلعت عقب أنباء عن وفاة زعيم للثوار محتجز في نيجيريا، كما ان الأعمال العسكرية في شمال العراق لم تساعد الشعور بتحسن الامدادات. ثم ان العواصف الثلجية في جنوب الصين ووسطها والجفاف الحاصل في شمالها أحدثت شللاً في إنتاج البذور الزيتية والقمح. هذا التعطيل في ناحية العرض أضيف الى سوق ضيّقة من جرّاء الجفاف في أوستراليا وأفريقيا وفيضانات في أفريقيا الغربية وموجة صقيع في أوربا. ثم ان صناعة التعدين عانت من اختلالات مهمة. فالعواصف العنيفة في الصين أدّت الى افتقار صناعة صهر المعادن وبالأخص الألومنيوم والنحاس الى الطاقة. وفي الوقت ذاته، أحدث توقف الطاقة مؤقتاً في إفريقيا الجنوبية، بسبب التسريب، إقفال قطاع المعادن وسط قلق على السلامة، الأمر الذي أثّر سلباً في إنتاج الذهب والبلاتين والألمنيوم. ان أسواق السلع تجد نفسها في صميم العاصفة: هناك نهاية الضيق في الدورة الاقتصادية والدولار الضعيف وإفراط بالسيولة في الأسواق الناشئة ومحدودية الامدادات. وعليه، دون أدنى ريب، لا نشجّع على القيام بعملية انكشاف في أسواق السلع. ميريل لينش

مواضيع قد تعجبك