خاص بـ خبرني
كتب حسن بلال التل
تزداد المؤشرات يوما بعد يوما على أن مجلس النواب باق على الأقل حتى ما بعد الدورة العادية, لإقرار قانون الانتخاب الجديد بعد أن حظرت التعديلات الدستورية –التي ألحقت باستثنائية النواب- القوانين المؤقتة إلا في حالات حصرية لا ينطبق معها حالة قانون الانتخاب, فيما تزداد المؤشرات على أن الحكومة راحلة.
ورغم ايماني المعلن بأن هذه الحكومة مظلومة في كثير مما ربط بها, وفي حجم انجازها, إلا أنني أظن أنها ما زالت تملك فرصة أخيرة لا لتبييض صفحتها فلست أراها صفحة سوداء, لكن للخروج بإنجاز كبير قادر على جعل حتى أعدائها يذكرونها بخير.
ذلك الانجاز هو الاتيان بقانون انتخاب توافقي, ولا أظن أن هناك قانونا أكثر توافقية من قانون الانتخاب الذي جرت بموجبه انتخابات 1989, والذي أتى بالمجلس النيابي الذي يرى معظم الاردنيين أنه المجلس الأفضل منذ عودة الحياة الديموقراطية, فهذا القانون رغم انه غالبا سيمنح تميّزا نسبيا للمرشحين الاسلاميين بشكل عام ولمرشحي جماعة الاخوان بشكل خاص, إلا انه سيقضي أيضا على ظواهر التفكك وخاصة المناطقي والعشائري الذي حل بالمجتمع بفعل قوانين الانتخاب التجريبية منذ 93 وحتى اليوم؛ كما سيقضي على نسبة محترمة من نواب المال.
ورغم أن هذا القانون سيمنح هذه الميزة النسبية للجماعة والاسلاميين, إلا أنه سيضمن كذلك وصول نسبة محترمة من النواب المستحقين والأصلح فعلا لتمثيل الشعب, وبوجود مجلس نواب صالح وقوي, وناتج عن انتخابات نزيهة حقا, فإن معظم مشاكلنا السياسية إن لم يكن جميعها ستحل, فوجود سلطة تشريعية قوية يعني بالتأكيد وجود سلطة تنفيذية قوية.
وبوجود هذين العنصرين مع المحكمة الدستورية فإن عجلة الانجاز ستصبح أكثر سلاسة في حركتها.
لكن هذه النقاط تحتاج إلى معززات رسمية وشعبية لضمان استقرار الوضع الداخلي, وضمان أفضل نتائج للانتخابات والمرحلة المقبلة.
فعلى الصعيد الرسمي لا بد من حكومة انتقالية تأتي لغاية واحدة ومحددة هي اجراء الانتخابات, على أن يكون رئيسها شخصية توافقية أو على الاقل مقبولة لدى مجمل الاطراف ويفضل أن يكون إما من خارج نادي الرؤساء, أو على الأقل أن لا يكون رئيسا جرت في عهده انتخابات سابقة, وأن تأتي تشكيلته ضيقة العدد وتوافقية الشخوص أيضا, بالذات في مناصب وزراء الداخلية والبلديات والعدل لما لهؤلاء من علاقة وقدرة على التأثير في سير الانتخابات على مختلف الصعد.
أما على الصعيد الشعبي فلا بد من تأطير الحراك السياسي الشعبي, فقد أحصيت قبل أيام أكثر من 25 مجموعة حراك شعبي (غير رسمي أو غير مرخص) بين تيار وجبهة وحراك... إلخ معظمها تتفق في الاهداف اتفاقا كبيرا وإن اختلفت في الآيديولوجيات, لكنها تبقى محصورة في 3-4 أطر أيديولوجية وعقائدية, وبالتالي فإن احتمالات التقائها واتحادها أكبر من فرص تنافرها, هذا في حال تخلى قادتها عن عقدة الزعامة.
الداعي لهذا الالتقاء والاتحاد هو بشكل رئيس الخروج بهذه الاطر -التي لا يتعدى عدد اعضاء كثير منها عدد اصابع اليدين, كما أن وزنها في الشارع ليس بذلك الحجم-, الخروج بها من أطار الضعف والتشرذم وقلة التأثير هذا؛ الى إطار حزبي منظم وواع وواضح, وهو عدا عن أنه إطار أكثر نضجا وأهمية وتأثيرا, فإنه سيأتي بمُعامِلين جديدين للساحة السياسية, أولا مُعامِل إنهاء أو تقليل التفكك السياسي والاجتماعي السائد منذ 1993, وأيضا معامل ظهور كيانات قادرة على انهاء استفراد الإسلاميين بالساحة, والذي مرده بشكل رئيس إلى أنهم القوة التي حظيت بالرعاية والدعم الرسمي والشعبي والإعلامي منذ حوالي 60 عاما, وهي مسائل انتهت كلها خلال أشهر الحراك التسعة الماضية, حيث أصبحت الساحة مهيأة تماما لاستقبال منافس جديد أو أكثر, سيبدأون قريبا من موقع الجماعة وإن لم يكن مساويا لها في نقطة الانطلاق.
كل ما سبق يصب في بوتقة إنهاء حالة الاحتقان, وإنصاف مجمل ما تم من أنجازات في الأشهر الأخيرة, وغربلة الساحة السياسية بما يضمن ظهور وبقاء الأصلح, والعودة إلى تجربة ناجحة ومضمونة (مع الحفاظ عليها) بدل "التجريب من أول وجديد" وانتظار نتائج قد تسبب مزيدا من الاحتقان, أو تصل بنا لا سمح الله إلى حدود الإنفجار, وهو ما أعلم أن كثيرا يريدونه بل ويسعون إليه.