*
الاربعاء: 09 نيسان 2025
  • 06 ديسمبر 2022
  • 09:48
الامراض غير السارية: أرقام غير مرئية وحقائق منسية
الكاتب: د. محمد رسول الطراونة

احتضنت عمان الاسبوع الماضي وعلى مدى يومين أعمال المؤتمر الوطني لتعزيز دمج الأمراض غير ‏السارية في الرعاية الصحية الأولية في الأردن، بتنظيم من وزارة الصحة والجمعية الملكية للتوعية الصحية‎ ‎و ‏بالتعاون مع مؤسسة السكري العالمية ، وعلى الرغم من غياب بعض المؤسسات الهامة ، فهي مبادرة يستحق ‏المنظمون لها والمتحدثون والمشاركون في فعالياتها الثناء والتقديرعلى‎ ‎ما قدموه ، إذ يأتي تنظيم هذا المؤتمر ‏للتأكيد على أهمية ودور الرعاية الصحية الأولية في مواجهة الأمراض غير السارية وضرورة تعاون جميع ‏الشركاء المعنيين في مواجهتها وتبادل الخبرات واستخلاص الدروس من التحديات التي واجهت الرعاية ‏المتكاملة للأمراض غير السارية خلال جائحة كورونا.‏


الامراض غير السارية ( المزمنة) ، أمراض لا تنتقل بالعدوى و يصاب بها الشخص على مدى زمنى طويل، ‏ومن يصاب بأحدها، يكون لزاما عليه تلقى العلاج مدى الحياة، وهى عديدة ومتنوعة و تسبب ما يقرب من ثلاثة ‏أرباع الوفيات في جميع أنحاء العالم ، والاردن واحد من البلدان الذي تتجاوز فيه نسبة الوفيات نتيجة الإصابة بهذة ‏الأمراض المعدل العالمي ، اذ تشير الارقام الى أننا أمام تسونامي لدية قوة هائلة ومدمرة قد لا تحمد عقباه اذا لم ‏يتم التدخل بشكل سريع وعلمي اذ أن 78 في المائة من الوفيات بين الاردنين أي ثمان وفيات من كل عشر تنجم ‏عن هذه الامراض ، وأن الاردنيين يتقدمون بنسب التدخين بينما العالم يتراجع اذ أن 42 في المائة مدخنون ‏وبمعدل انفاق على السجائر يصل الى 60 دينار شهريا.  ‏


ومما يقلق أيضا أن خمس الاردنيين يعانون من ارتفاع ضغط الدم ، والنصف مصاب بالسكري والسكري ‏الكامن ، وثلثيهم يعانون من زيادة الوزن والسمنة، وخمس اخر يعاني من ارتفاع الدهنيات وحوالي 76 في ‏المائة لا يشاركون في اي نشاط بدني ( أي كسالى) ، والامر الاخر والاكثر إزعاجا  أن ثلث الاردنيين ممن هم ‏في الفئة العمرية المنتجة 18- 44 سنة لديهم ثلاثة عوامل خطورة وأكثر وتصل النسبة الى الثلثين في الفئة ‏العمرية 45 - 69 سنة ، أما الاسر الاردنية فثلثها لديها فرد يعاني من أحد الامراض غير السارية .‏


‏ بالرغم من هذه الارقام غير المرئية والمرعبة والتي تكاد تكون حقائق منسية لم تحظ الأمراض غير السارية ‏بتداول إعلامى مماثل لما حدث مع فيروس كورونا ، خاصة أنها غالبا كانت المتهم الأول للوفاة.  ‏


ثمة حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات قوية الآن - لمنع وفاة الاف الاردنيين خلال أكثر السنوات إنتاجية في حياتهم- ‏جراء أمراض كان يمكن تفاديها ببساطة من خلال تغيير أنماط المعيشة غير الصحية الشائعة كالتدخين والطعام ‏غير الصحي وعدم مزاولة الأنشطة البدنية بدرجة كافية والإفراط في تعاطي الكحوليات ، وهي أي الأمراض ‏غير السارية تلحق خسائر فادحة بالاقتصادات  الوطنية، وتقلص من حياة الناس في سنواتهم الأكثر إنتاجية لذا ‏يتطلب التغلب على هذا التحدي التزاما تقنيا وماليا وقبل كل شيء التزاما سياسيا من اعلى المستويات لمكافحتها ‏والوقاية منها.‏


كشفت منظمة الصحة العالمية في تقرير جديد لها بعنوان الأرقام غير المرئية عن الحجم الحقيقي للأمراض ‏غير السارية وبينت أن هذه الفئة من الأمراض هي الأكثر فتكا الآن على مستوى العالم و إنه في كل ثانيتين ‏يموت شخص دون سن السبعين في مكان ما في العالم ، اما الاردن يموت شخص كل نصف ساعة  بسبب ‏مرض غير ساري، مثل أمراض القلب والسرطان والسكري وأمراض الرئة ، كما سلط التقرير الضوء على ‏العبء العالمي لهذة الامراض وعوامل الخطورة والتقدم الذي احرزه كل بلد في جهوده لمكافحتها ، هذا التقرير ‏هو تذكير لكافة مسؤوليي الصحة بالحجم الحقيقي للتهديد الذي تشكله الأمراض غير السارية وعوامل الخطر ‏الناتجة عنها‎.‎


أما الاستطلاع الاخير الذي أصدرته مؤسسة غالوب بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومؤسسة بلومبيرغ ، ‏فقد بين أن معظم المشاركين في الاستطلاع من الدول الخمس ( الاردن و كولومبيا والهند وتنزانيا وامريكا ) ‏صنفوا عوامل خطر الأمراض غير السارية على أنها أكبر مشكلة صحية في بلدهم ، الا أن وعي المواطنين ‏بالروابط بين هذه الأمراض وعوامل الخطر المرتبطة بها كاستهلاك التبغ والكحول والأنظمة الغذائية غير ‏الصحية وقلة النشاط البدني فهو منخفض، وعلية أوصت المنظمة بضرورة التزام الدول بالاتفاق العالمي ‏للأمراض غير السارية لإنقاذ حياة 50 مليون شخص بحلول عام 2030، والعودة إلى المسار الصحيح للوصول ‏إلى أهـداف التنمية المستدامة والحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية‎.‎‏  ‏
خلاصة القول ، أن جوهر السيطرة على هذه الأمراض يكمن في التحكم في عوامل الخطورة لها من خلال ‏وضع نهج شامل بمشاركة والتزام جميع القطاعات بما فيها الصحة والمالية والنقل والتعليم وغيرها للعمل ‏سوية من أجل التقليل من مخاطر هذه الامراض وتعزيز التدخلات الرامية إلى الوقاية منها ومكافحتها مع ‏تسليط الضوء على الحاجة الملحة إلى هندسة الرعاية الصحية الأولية وابتكار نموذج تقديم خدمات صحية جديد ‏مختلف عن نموذج ما قبل كورونا ، لانها الأساس الذي تقوم عليه مكافحة هذه الأمراض، فمكافحتها أمر هام ‏لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تصبو إلى تخفيض الوفيات المبكرة الناجمة عن هذه الأمراض بمقدار ‏الثلث بحلول عام 2030 ، مما يتطلب توسيع نطاق العمل الوطني بشأن هذه الأمراض ، خلاف ذلك سنجد ‏أنفسنا في عين " التسونامي " .  ‏
 

مواضيع قد تعجبك