خبرني - قبل نصف قرن من الآن وفي الأيام العشرة الأخيرة من
شهر أبريل، سارعت حكومة سمير الرفاعي (الجد) في الأردن لتقديم استقالتها، بعد شعوره
أن أعضاء في مجلس النواب آنذاك (البرلمان السابع) يعملون لإسقاطها، ما دفعه إلى التوجه
إلى الراحل الملك الحسين بن طلال ليقدم استقالته بعد مرور 6 حكومات متعاقبة شكلها الرفاعي
– ذو السلالة الملازمة لحكم الهاشميين في الأردن.
الرفاعي الجد الذي شكل أول حكومة له في نهاية عام 1944 كانت
آخرها في شهر مارس عام 1963 وهي التي سقطت على وقع كلمات النواب المناوئة لها والمهددة
بحجب الثقة عنها، ورغم أنها كانت "قفلة" حياته الوزارية إلا أن منصب رئاسة
الحكومة توارثه من بعده ابنه وحفيده.
يقول الباحث المؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي إن سمير الرفاعي
الجد فضل عدم الاستمرار مع مجلس النواب بطلب الثقة بعدما علم أن 23 نائبا من أصل
60 قرروا حجب الثقة عن حكومته.
ويتابع حديثه "أن رئيس الوزراء المكلف آنذاك سمير الرفاعي رغب برفع استقالته
رغم إمكانية حصوله على الثقة، لكنه فضل تقديمها لعلمه أنه من الصعب أن يتعاون مع مجلس
النواب حتى لو حصل على ثقتهم لأن حاجز الوصول إليها لم يكن كبيرا ".
يكاد التاريخ يعيد نفسه اليوم، ولكن نتائج منح الثقة لحكومة
عبد الله النسور الثانية ما زالت في غياهب الجب، والمراقب للتاريخ يجد مساحة كافية
للمقارنة بين مجلس النواب السابع ومجلس النواب
السابع عشر وحكومة النسور في 2013 وحكومة سمير الرفاعي في العام 1963 .
في عام 1963 أعلن 23 نائبا حجب الثقة عن حكومة الرفاعي من
أصل 60 وهو ما يشكل نسبة مقدراها حوالي 38 ٪ من أعضاء مجلس النواب، بينما أعلن حتى
نهاية الأسبوع الماضي نحو (37) نائباً عزمهم حجب الثقة عن حكومة عبدالله النسور قبل
أن يستغل رئيس الوزراء عطلة نهاية الأسبوع ليجري مباحثات مكثفة مع كتل نيابية وأعضاء
في البرلمان.
في عام 1963 كان النائب صلاح طوقان يقود المعارضة تحت قبة
البرلمان إضافة إلى رئاسته للبرلمان السابع، بينما في عام 2013 فالنائب سعد هايل السرور
يميل إلى الصمت والحيادية تجاه الحكومة رغم تلميح المراقبين من قناعتهم بوقوفه ودعمه
للنسور.
في عام 1963 الرفاعي فضل قطع الطريق على مجلس النواب وكسب
ماء الوجه، ولكن الإطاحة به مبكرا دفعت إلى خيار حل البرلمان بعد تكليف حكومة الشريف
الحسين بن ناصر الذي نسّب للعاهل الراحل آنذاك الملك حسين بحل المجلس.
في عام 1963 كان رئيس الوزراء سمير الرفاعي الأول يستمع إلى
كلمات النواب بهدوء ويدون ملاحظاتهم ويسجلها، واليوم يلحظ مراقبون للشأن البرلماني
أن النسور يستمع بهدوء لمداخلات النواب ويدون ملاحظاتهم وإن كان قد غير مكان جلوس رئيس
الوزراء الأثير تحت قبة البرلمان خلال مناقشات الثقة فأخذ مكانا مرتفعا لكي يتابع المشهد
بشكل أفضل.
في عام 2013 مجلس النواب السابع عشر أعلن نواب خلال مناقشاتهم
(إما ثقة تسقط مجلس النواب أو حجب يعيد قوة البرلمان) ويرون في ذلك نوعا من إثبات استقلاليته
وإعادة كسب ثقة الشارع الأردني بمؤسسته ولو كان على حساب التضحية بالحكومة التي يصفونها
بحكومة غلاء الأسعار .
في عام 1963 كان الموضوع الذي يشغل الشارع الأردني هو كل
من مصر وسوريا إضافة إلى المشاكل الداخلية، أما في عام 2013 فالقضية السورية هي الأسخن
على صعيد الملف الخارجي وغلاء الأسعار ضمن الشؤون الداخلية .
يتداخل التاريخ أحياناً، ففي العام 1989 رشح رئيس الوزراء
الحالي نفسه إلى عضوية مجلس النواب الحادي عشر ووجه خلال مهرجان انتخابي مهيب في مدينة
السلط والتي تعد مسقط رأسه كلمات حادة وقاسية إلى رئيس الوزراء آنذاك زيد الرفاعي وأقسم
بأنه سيحاسبه وعائلته وطالب بإنجاحه في الانتخابات من أجل ذلك وقال "احملوني إلى
عمان لأحاسب ".
في عام 2010 شن رئيس الوزراء الحالي عبدالله النسور عندما
كان نائبا في البرلمان السادس عشر هجوما لاذعا على حكومة سمير الرفاعي الحفيد أثناء
مناقشة بيان الثقة قبيل انطلاقة الربيع العربي بأيام، وكان النسور حادا في خطابه قبل
أن يحجب الثقة بينما الرفاعي الذي "نشف ريقه" تناول حينها كأسا من الماء.
هذه بعض المفارقات الواقعة رغم اختلاف الزمان والأشخاص ولكن
يبقى السؤال بعد (50) عاما من سقوط حكومة الرفاعي الجد نيابياً، هل سيلقى النسور مصير
خصومه السياسيين تاريخياً ويترجل على طريقة سمير الرفاعي الجد؟ أم أنه سيستمر في طلب
ثقة النواب ويعبر إلى بر الأمان؟
الساعات القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة على التساؤلات التي
يطرحها الأردنيون وإن كان العارفون بشخصية رئيس الوزراء عبدالله النسور يقولون إن ما
لديه من "النرجسية" تمنعه من الإقدام على خطوة الانسحاب، إذ أنه يهوى التحدي
ومغرم بكسب الوقت لصالحه من خلال ذكائه وحنكته السياسية التي لا يختلف عليها اثنان.
سكاي نيوز