*
الاربعاء: 05 فبراير 2025
  • 19 أيلول 2021
  • 13:10
أحدث الهراء في ضرب النساء
الكاتب: د. اسامة ابو الرب

أعادت جريمة قتل السيدة هيفاء أبو هاني حرقا على يد زوجها، قضية العنف الموجه ضد النساء إلى الواجهة، سواء كان معنويا أو لفظيا أو بدنيا، والذي وصل في هذه الحالة إلى القتل.

هذه الجريمة النكراء والتي يجب أن يعاقب فيها الزوج المجرم بأشد عقوبة، تسلط الضوء على حالة ليست محصورة في الأردن، بل تمتد عربيا وعالميا، حتى في الدول الغربية التي تدعي حماية حقوق المرأة، في الاستقواء على المرأة، التي في هذه الحالات تتحمل ظلم زوجها من أجل صالح الأسرة، فيكون جزاؤها الموت.

لا يوجد ما يصف الخيبة والألم الذي عانته المرحومة هيفاء، والتي كانت قد كتبت على حسابها في فيسبوك قبل وفاتها بساعات وهي ترقد في المستشفى: "حسبي الله ونعم الوكيل، فكرت راح يغير حياتي بس هسه مسح كل حياتي".

المرعب هو أن البعض يبرر أو حتى يعطي للزوج الحق في "تأديب وضرب" زوجته، حتى أنه يلصق مبررات شرعية ويقول إن الإسلام قال ذلك!. والواقع أن أي تبرير أو تفهم لضرب الزوجة أو الإساءة لها هو تبرير للقتل، الذي يأتي كنتيجة لمقدمات وهي الإساءة اللفظية والجسدية.

الرد على هذا الهراء هو أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، لم ينقل عنهم أنهم ضربوا نسائهم ابدا. ولو كان الضرب وسيلة للتأديب لكان الأولى أن يخاطب الله نبيه في سورة التحريم بأن يضربهن، وذلك بعدما تصرفت بعض نسائه بما أزعج النبي الكريم.

ولكن الآيات الكريمة خاطبت النساء بأن يتبن عما بدر منهن، وإلا فالطلاق، وعندها فإن الله سيبدل نبيه الكريم خيرا منهن.

دليل آخر على أن الضرب ليس حقا للزوج، هو حكم الملاعنة، والذي يكون فيه اتهام الزوج لزوجته بالزنا بدون أن يكون لديه أربعة شهود، وينتهي بالتفريق بين الزوجين.

فلنتخيل ذلك، عند حدوث الخيانة بين الزوجين لم يعطي الإسلام الرجل الذي يكون متأكدا من خيانة زوجته، الحق بأن "يؤدبها أو يضربها أو يقتلها"، فكل ما له هو الملاعنة، ثم يكون التفريق. وحسابها على الله إن كانت كاذبة، وحسابه على الله إن كان كاذبا.

هذا ينفي أي تبرير لما نراه من "جرائم الشرف"، والتي يقتل فيها الرجل زوجته أو اخته، وهو يظن أنه بطل مغوار!

حتى قصة سيدنا أيوب، التي يستشهد بها كثيرون على مشروعية ضرب الزوجة، هي في الحقيقة دليل على عدم ضرب الزوجات. فسيدنا أيوب أقسم أن يضرب زوجته إذا شفي من مرضه، لأمر بدر منها وان اختلفت فيها الروايات، أثناء مرضه. ولكن عندما شفي أمره الله بأن يأخذ حزمة من العيدان الخفيفة ويضربها بها حتى لا يحنث، وقيل أن كفارة اليمين لم تكن موجودة في شريعة أيوب.

فلو كان الضرب أصلا أو مباحا لما أعطى الله أيوب هذه الرخصة. وبالتأكيد فإن سيدنا أيوب عندما ضرب زوجته بهذه العيدان لم يضربها فعليا، وعلى الأرجح أنه مسح بها على جسدها، فلو أراد النبي الكريم أيوب أن يضربها ما أخذ بالرخصة التي أعطاها الله.

موضوع الضرب خطير، ونحن نركز عليه لأنه المقدمة الفعلية للقتل، فمن يضرب يكسر ويشوه ويحرق.

في الواقع فإن الرجال الذين يستقوون على زوجاتهم هم ضعفاء، فهم جبناء في التعامل مع العالم الحقيقي الذي خارج المنزل، ولكنهم يستأسدون على زوجاتهم في المنزل، ولعل هذا يفسر حقيقة أن أكثر الرجال شراسة مع زوجاتهم هو "العنين"، الذي يشعر بالنقص والعجز، ويريد أن يعوض عن ذلك بضرب زوجته.

يجب علينا أن نربي بناتنا على عدم تقبل التنمر والإساءة اللفظية والجسدية من أي طرف، الزوج في البيت، والزميل أو الزميلة في الدراسة أو العمل.

كثيرا ما يقال للزوجة أن تصبر على زوجها السيء، عبر استحضار كومة من الأمثال التي تزرع الخنوع في نفوس بناتنا، مثل "ظل راجل ولا ظل حيطة". والواقع أن الرجل الذي يؤذي زوجته ويضربها ويهينها فإن ظل الحائط أفضل منه، فالحائط لا يضرب ولا يحرق ولا يقتل.

على الزوجة أن لا تسكت منذ البداية، فإن ضربها الزوج عليها أن تتوجه لأهلها والسلطات المختصة، لأخذ الحق القانوني، والتفريق. فالزواج سكن، ولا يكون ذلك بوجود زوج يضرب.

رحم الله هيفاء، ورحم الله جميع النساء ضحايا العنف العائلي، أما القاتل، فيجب أن يواجه عقوبة القانون القصوى، دون رأفة أو تخفيف.

مواضيع قد تعجبك